هل الروبوتات الذكية تساهم في تقليل تفشي كورونا حول العالم ؟
تستحضر كلمة “روبوت” مجموعة متنوعة من الصور، كشكلها شبه البشري في سلسلة أفلام حرب النجوم،
أو حتى كآلات تنظيف في سلسلة الرسوم المتحركة الشهيرة “جيتسانز”، أو كأداة من أدوات المشروعات التكنولوجية الباهرة كعربة المريخ “باثفايندر”.
معظم الجدل حول تلك الآلات ينحصر في احتمالية تفوقها علينا، أو سعيها للسيطرة على العالم، أو حتى تمردها في المصانع على ظروف عملها المُجحِفة. إلا أن معظم العلماء وكُتاب الخيال العلمي المرموقين يضعونها في مرتبة “خدم البشر”، وهو الوصف الذي استخدمه الكاتب العلمي الأمريكي الشهير، إسحاق عظيموف، في قصصه القصيرة، التي جاء فيها أن الروبوتات “أكثر نظافةً” من البشر، وقدرتها على خدمة الإنسان لا نهائية، شريطة اتباعها قوانين ثلاثة: أولها عدم إصابة البشر أو السماح بإحداث ضررٍ لهم. وثانيها إطاعة الأوامر البشرية بما لا يُخِل بالقانون الأول. أما ثالثها فضرورة حماية الروبوتات لأنفسها، شريطة عدم مخالفة القانونين السابقين.
والآن، يُجادل العلماء في احتمالية استخدام الروبوتات في الحرب ضد واحدٍ من أكبر التهديدات الصحية.. وباء كورونا المستجد. إذ تقول ورقة بحثية منشورة في دورية “ساينس روبوتكس”: إن الروبوتات قد تكون فعالةً في عمليات التطهير، وقياس العلامات الحيوية للأمراض، وتقديم الطعام للمرضى، وكذلك تقديم الدواء في المواعيد المخصصة له، خاصةً في فترات حدوث الأوبئة العالمية.
كسر سلسلة العدوى
أسهمت العولمة والنظام الاقتصادي المترابط وسهولة حركة التنقل حول العالم في اجتياح الفيروس التاجي الجديد لمعظم دول العالم، وأصبح التفشي الوبائي ظاهرةً متزايدةً تعاني منها كل قارات العالم. تتزايد الحالات باطراد مخيف. وهذا يعني -حسبما ذكرت الورقة- ضرورة بذل جهد عالمي من أجل كسر سلسلة العدوى. وتشير الورقة إلى أن كسر تلك السلسلة يُمكن أن تُسهِم فيه الروبوتات بوصفها آلات فعالة غير قابلة للعدوى وتعمل دون كللٍ أو ملل.
أصبحت الأدوار المحتملة للروبوتات واضحةً على نحوٍ متزايد. فخلال تفشي فيروس إيبولا عام 2015 حددت ورش العمل التي نظمها مكتب البيت الأبيض لسياسات العلوم والتكنولوجيا ثلاثة مجالات واسعة يُمكن أن تُحدث فيها الروبوتات فرقًا، هي الرعاية السريرية (الممارسات الطبية وأعمال التطهير عن بُعد)، والخدمات اللوجستية (نقل النفايات الطبية ومعالجتها)، والاستطلاع (مراقبة عمليات الامتثال لإجراءات الحجر الصحي). وتقول تلك الورقة إن التفشِّي الحالي أدخل مجالًا رابعًا، هو استمرارية العمل والحفاظ على الاقتصاد.
أبرز ما جاء في هذه الورقة البحثية هو استخدام الروبوتات في مجال الرعاية الصحية والسريرية، مشيرةً إلى أن الروبوتات تستطيع إحداث فارقٍ كبيرٍ في الوقاية من المرض. وعمل التشخيص والفحص اللازمَين للمشتبه بهم، علاوةً على رعاية المرضى وإدارة التفشِّي ذاته.
فمثلًا، يُمكن استخدام الروبوتات في تطهير الأسطح بواسطة أجهزة مدمجة تعمل بالأشعة فوق البنفسجية. فالفيروس لا ينتقل فقط من شخص إلى آخر عن طريق الرذاذ المتطاير من الجهاز التنفسي، لكن أيضًا عبر الأسطح الملوثة. إذ يُمكن أن تبقى الفيروسات التاجية على الأسطح الصلبة –التي تتضمن المعادن والزجاج والبلاستيك- لأيام، وقد ثبت أن أجهزة الأشعة فوق البنفسجية (مثل PX-UV) فعالة في الحد من التلوث على الأسطح عالية اللمس في المستشفيات.
وبالتالي، فبدلًا من التطهير اليدوي، الذي يتطلب أعدادًا كبيرة من القوى العاملة، ما يزيد من خطر تعرُّض عمال النظافة للعدوى، يمكن أن تؤدي روبوتات التطهير المستقلة -كتلك الموجودة في سلسلة الرسوم المتحركة جيتسانز- أو التي يجري التحكم فيها عن بُعد إلى تطهير سريع وفعال من حيث الأداء والتكلفة، دون حدوث مخاطر تتعلق بالعدوى.
تحتاج مكافحة الأوبئة إلى انتقال الطواقم المدربة بين المناطق المختلفة التي تُعد مركزًا للمرض. وهي أماكن عالية الخطورة ويُمكن أن تتسبب في زيادة معدلات الإصابة. تقول الدراسة إنه يمكن تطوير أجيال جديدة من الروبوتات، بدءًا من تلك الربوتات شديدة الصغر (المجهرية) وانتهاءً بأخرى كبيرة الحجم؛ للتنقل في المناطق عالية الخطورة والعمل باستمرار على تعقيم جميع الأسطح الأكثر عرضةً للمس.
إجراءات المسح والتشخيص
يُمكن استخدام الروبوتات المتحركة للتشخيص والمسح عبر التنقُّل في الأماكن العامة والموانئ لقياس درجات حرارة الأشخاص المترجِّلين. كما يُمكن استخدامها أيضًا كنظام فحص متعدد قادر على استشعار درجات حرارة المئات في اللحظة نفسها.
ومنذ سنوات، تُستخدم أنظمة الكاميرات الآلية بشكل شائع لفحص العديد من الأشخاص في وقت واحد في مناطق واسعة وعلى مساحات كبيرة. يمكن أن يؤدي دمج هذه المستشعرات الحرارية وخوارزميات الرؤية على الروبوتات المستقلة أو التي تعمل عن بُعد إلى زيادة تغطية الفحص وكفاءته، كما يمكن أيضًا استخدام هذه الروبوتات المتحركة لمراقبة درجات حرارة المرضى الداخلين والخارجين بشكل متكرر في مناطق مختلفة من المستشفيات، مع بيانات مرتبطة بأنظمة معلومات المستشفى، وفق الدراسة.
بالنسبة لاختبارات التشخيص، تقوم معظم البلدان بجمع مسحات من المصابين ومعالجتها ونقلها واختبارها. خلال الفاشيات الكبيرة، يتمثل التحدي الرئيسي في نقص العاملين المؤهلين لجمع تلك المسحات، ومعالجة عينات الاختبار. تقول الورقة إن الروبوتات يُمكنها المساعدة في تلك العملية، وهو الأمر الذي سيقلل العدوى ويعطي للكوادر المؤهلة الفرصة لأداء مهمات أخرى أكثر حسمًا.
لا يعاني بعض الأشخاص من أعراض المرض الذي يسببه الفيروس وقت الاختبار. في هذه الحالات، قد يكون اختبار الدم للتحقق من ظهور الأجسام المضادة أمرًا بالغ الأهمية، ويُستخدم لتحديد ما يمكن أن نطلق عليه العدوى الصامتة.
تقول الدراسة إن أتمتة عملية سحب الدم لإجراء الاختبارات المعملية يمكن أيضًا أن تُعفي الطاقم الطبي من مهمة ذات مخاطر عالية من التعرُّض للعدوى. ويدرس الباحثون أنظمة روبوتية تعتمد على التصوير بالموجات فوق الصوتية لأوردة الساعد الطرفية من أجل سحب العينات، ستسمح تلك الفحوصات بالكشف النوعي السريع في المختبر والتمييز بين مسببات الأمراض. كما يمكن أيضًا استخدام الطائرات بدون طيار أو الروبوتات السيّارة لنقل العينات، وكذلك تسليم الأدوية للمرضى المصابين عندما تكون الحركة غير مناسبة.
الحجر الصحي على نطاق واسع أيضًا قد يعني للمرضى عزلًا طويلًا للأفراد عن التفاعل الاجتماعي، مما قد يكون له تأثير سلبي على الصحة العقلية. لمعالجة هذه المشكلة، يمكن استخدام الروبوتات الاجتماعية لتوفير التفاعلات الاجتماعية المستمرة والالتزام بأنظمة العلاج دون خوف من انتشار المرض. إلا أن الدراسة تقول إن تحقيق ذلك الأمر صعب؛ لأن التفاعلات الاجتماعية تتطلب بناء نماذج معقدة من الروبوتات، تستطيع التفاعل مع الناس والتعامل معهم بصورة صحيحة، مع أخذ معارفهم ومعتقداتهم وعواطفهم في الاعتبار.
تاريخيًّا، تم تطوير الروبوتات لتولِّي وظائف مملة وخطيرة. كان أول انتشار واسع النطاق لها في التطبيقات الصناعية، وبالمثل فإن مكافحة الأمراض المعدية تنطوي على بيئة غير مناسبة للعمال البشريين ولكنها مناسبة للروبوتات.وتشير الدراسة إلى أن الوباء الحالي قد يؤدى إلى ضخ مزيد من التمويلات في مجال الروبوتات المخصصة لمعالجة الأمراض المُعدية.
يرى رئيس قسم الهندسة الميكانيكية وأستاذ علوم الروبوتات بجامعة زيورخ “برادلي نيلسون” -وهو أحد مؤلفي تلك الدراسة- أن الوقت قد حان للتفكير في مستقبل الروبوتات باعتبارها أدوات يُمكنها مساعدة البشر في أداء المهمات الطبية؛ فـ”على الرغم من أن الأنظمة لا تزال جديدةً وغير مجربة، إلا أن استخدام الروبوتات في الصين ساعد بصورة جيدة على الحد من العدوى، وساعد الأطقم الصحية على تقديم خدمات أفضل للمرضى”. ويشير في تصريحات خاصة لـ”للعلم” إن تلك المقالة تهدف إلى “تشجيع المجموعات البحثية على العمل في مجال دمج الروبوتات في المنظومة الصحية”، داعيًا المؤسسات العلمية والتمويلية إلى “إعطاء المزيد من الأموال وتمويل ذلك النوع من الأبحاث”.
صفعة كورونا المستجد
زار جيوانج زونج يانج -المؤلف الرئيسي لتلك الدراسة- مدينة “شنجهاي” الصينية في أثناء ذروة الوباء. وضع نفسه في العزل الاختياري لمدة أسبوعين. وفي غرفة الفندق، أسند “يانج” مهمة تسلُّم الطعام إلى أحد الروبوتات التي صمَّمها بنفسه. يقول “يانج” في تصريحات خلال مؤتمر صحفي على الهاتف حضرته لـ”للعلم” إنه قرر استخدام الروبوت لتجنُّب الاتصال الشخصي مع العاملين في الفندق. يقول “يانج”: “في الواقع يجب فعل الأمر عينه في المستشفيات وبؤر التلوث”.
ويقول الباحث في مجال الهندسة الطبية والروبوتات بجامعة روبرت موريس “جوش ليبهايمر”: إن تلك المقالة تُلقي بالضوء على “رعاية المرضى في المستقبل”، غير أنه يستبعد تمامًا استخدام الروبوتات على نطاق واسع في حدث كورونا المستجد الحالي. فالوباء -حسبما يقول “ليبهايمر” في تصريحات خاصة لـ”للعلم- جاء “على حين غِرة” في الوقت الذي كانت فيه البشرية “تتراشق فيما بينها بمعدات الحرب البغيضة”.
يرى “ليبهايمر” أن تلك الورقة جاءت في توقيت ملائم. ويشير إلى أنه يتفق معها بشكل كُلي. ويؤكد أن “صفعة كورونا المستجد” ربما تحفزنا على الإبداع في ذلك المجال في المستقبل. ذلك المستقبل الذي يجب أن نستعد له بجيشٍ جرار، لا يحمل السلاح، بل جيش من الروبوتات القادرة على حمل الدواء واقتحام المناطق التي يُسيطر عليها الأعداء الحقيقيون.. الفيروسات. مصدر